"إليك أمي" .. فيلم قصير دفع بمخرجَيه إلى منصات التتويج العالمية

"ياسر جود الله" و"أحمد البظ" شابان فلسطينيان لم يكن انعدام الإمكانيات وغياب الدعم ليقف عائقا في طريقهما نحو الإبداع والتألق بإنجازات سطّرت انطلاقة مميزة لكليهما في عالم صناعة الأفلام.

أثناء سنوات دراستهما في تخصص الإعلام بجامعة "النجاح الوطنية" بمدينة نابلس (شمال القدس المحتلة)، حرص جود الله (25 عامًا)، والبظ (23 عامًا)، على استثمار كل لحظة لتسجيل إنجاز جديد، حيث تشاركا معًا في إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة، والتي حققت نجاحات محلية ودولية، ووضعتهما في مقدمة المخرجون الشباب بمهرجانات عالمية.

"إليك أمي" هو أحد الأفلام التي أنتجها وأخرجها الثنائي جود الله والبظ، وهو إنتاج دفع بهما إلى منصات التتويج في عدة مهرجانات ومسابقات.

يروي الفيلم قصة عائلة فلسطينية تعرضت لاعتداءات من الاحتلال الإسرائيلي، أدت لاستشهاد الأم وأحد الأبناء واعتقال الآخرين في فترات مختلفة.

المخرج الشاب جود الله هو أحد أفراد هذه العائلة، وعاش تجربة شخصية داخلها، ورأى مع شريكه أحمد أن تكون أسرته نموذجًا للكثير غيرها من العائلات الفلسطينية التي فقدت أبناءها بين شهيد وأسير، وعانت الكثير حتى في ظل الانقسام الفلسطيني.

وقال جود الله خلال حديث مع "قدس برس"، "لم يكن من السهل الدمج بين تجربتة شخصية وعملي كمخرج".

وتساءل "كيف لي أن أتخلى عن إنسانيتي في قصة عشت تفاصيلها لحظة بلحظة؟ وكيف لي أن لا أنحاز لها وقد فقدت أعز الناس إلى قلبي أمي وأخي شهيدين برصاص الاحتلال، في فترة لم تتجاوز الثلاثة شهور خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية؟".

وأضاف "كان هذا الفيلم مشروع التخرج من الجامعة عام 2014، لي ولزميلي في الدراسة والإخراج أحمد البظ، حيث تم إعداد السيناريو بأسلوب مهني احترافي، وتم اختزال كل ما تعلمناه طوال سنوات الدراسة وتجسيده فيه، وتمكنا من الحصول على علامة متقدمة، ناهيك عن الإشادات الكثيرة من قبل طاقم التدريس وجهات متخصصة بالإنتاج وإخراج الأفلام".

 وتابع جود الله "حثّنا كثيرون على استثمار هذا الفيلم والمشاركة في المسابقات والمهرجانات المختصة بهذا الشكل من الأفلام، وهذا ما كان، حيث شاركنا في أحد المهرجانات الذي تنظمه جامعة النجاح الوطنية، وبالرغم من الرفض المبدئي لمشاركة الفيلم في المهرجان، لأسباب كنا نعتقد أن الدافع خلفها هو مضمون الفيلم الذي تطرق لقضية الاعتقال السياسي التي تعرضت لها مع أشقائي خلال سنوات الانقسام الفلسطيني الداخلي، إلا أن القائمين على المهرجان عادوا ووافقوا على مشاركتنا بعد ضغوطات من أطراف متعددة، حيث حصلنا على المرتبة الثالثة".

وأشار إلى أن شعور المخرجَين بعدم الإنصاف خلال هذا المهرجان، جعلهما متمسكان أكثر بإنتاجهما، وشاركا في مهرجانات دولية؛ منها مهرجان "الجزيرة للأفلام الوثائقية" عام 2015، والذي حصلا فيه على جائزة أفضل فيلم عربي ضمن فئة الأفلام القصيرة للمحترفين، بعد أن رأت إدارة المهرجان أن مشاركتهم ضمن فئة الهواة والناشئين سيكون فيه ظلم كبير لهذا الإنتاج ذو المواصفات العالية.

وقال إن الفيلم الذي تم انتاجه وإخراجه بأدوات بسيطة وتم الاستعانة خلال إعداده ببعض الصور الفوتوغرافية والصور المتحركة من صحف ووكالات مختلفة، بالإضافة إلى مشاهد درامية تم تمثيلها لتحقيق رسالة الفيلم، دون أن تتجاوز تكلفت إنتاجه الـ 100 دولار أمريكي، حاز كذلك على جائزة المخرج الشاب خلال مهرجان عالمي للأفلام في إيطاليا عما 2015 أيضًا.

 وحول المعيقات التي واجهت المخرجيْن أحمد وياسر خلال مرحلة انتاج فيلم "إليك أمي"، يقول الأخير لـ "قدس برس"، "واجهتنا عدة صعوبات خلال عملنا، منها فقدان الكثير من المواد والصور التي يمكن أن ندعم بها الفيلم ونوصل الرسالة التي نسعى لها بشكل أكبر".

ولفت إلى أنه تمت مصادرة أرشيف كامل من الصور والفيديوهات التي كان يحتفظ بها، خلال عمليات الاقتحام المتكررة التي تعرض لها منزل عائلته من قبل قوات الاحتلال حينًا، وأجهزة أمن السلطة حينًا آخر، "وهذا ما دفعنا للاستعانة بمواد من مصادر أخرى".

أما المخرج أحمد البظ، فرأى أن عدم وجود جهة أو مؤسسة حاضنة وداعمة لهكذا كفاءات وقدرات يمكن أن تحقق المزيد من الإنجازات، وأن توفر لها الإمكانيات المادية اللازمة لذلك، أحد أبرز المعيقات. 

وبخصوص إمكانية إنتاج أفلام جديدة، قال البظ لـ "قدس برس" إنهما لا زالا في هذه المرحلة قيد استثمار فيلم "إليك أمي"، وحصد جوائز أخرى، حيث تمت الموافقة على مشاركتهما في مهرجانات دولية قادمة.

وأشارإلى أنهما سيكونا جاهزين بعد ذلك لإنتاج أفلام وثائقية جديدة، "ستكون بكل تأكيد أكثر تميّزًا بعد استفادتنا من التجارب التي مررنا بها"، وفق قوله.

ولفت المخرج الشاب البظ، إلى أن السوق العالمي مفتوح أمام الكفاءات والمواهب أكثر مما يتوفر ذلك داخل الأراضي الفلسطينية، مطالبًا الجهات المختصة ومنها وزارة الثقافة ايجاد حاضنة لهما ولأمثالهما من الشباب المبدع، واستثمار انتاجاتهم محليًا ودوليًا.

وناشد جود الله المؤسسات الإعلامية المحلية إلى استيعابه وأمثاله من الطلبة الخريجين، وفتح المجال أمامهم للعمل وتحقيق المزيد من الإنجازات.

وأكد "على الرغم مما حققته مع شريكي لم أجد أي مؤسسة إعلامية توافق على تشغيلي، الأمر الذي دفعني للعمل كمحاسب مالي في أحد محلات الحلويات".

ووجه المخرجان الشابان رسالة إلى أقرانهما من الشباب، تضمنت دعوة إلى البدء بمشاريعهم الخاصة وعدم التسليم وانتظار دعم الآخرين، مشدّدان على أن النجاح الذي حققاه أعطاهما ثقة لا توصف، برغم شُح الإمكانيات.


ــــــــــــــ

من محمد منى
تحرير خلدون مظلوم

مواضيع ذات صلة
"خط التماس".. فيلم قصير يجسد حكاية "النكبة"
عُرض في مدينة لوس آنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، أمس الاثنين، فلم "خط التماس" للمخرج الفلسطيني الشاب محمد صفوري، ضمن مهرجان&n...
2022-08-16 17:41:19
الخليل ..الاحتلال يعيد إغلاق طريق "قلقس" بعد وقت قصير من فتحه
اعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي إغلاق طرق خربة قلقس جنوب مدينة الخليل، بعد وقت قصير من فتحه من قبل بلدية الخليل، بناء على اتفاق...
2017-11-18 09:38:08
مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على تمويل قصير المدى للحكومة الفيدرالية
صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي، اليوم الاثنين، وبالأغلبية المطلقة لصالح قرار تمويل قصير المدى للحكومة لينهي بذلك إغلاقا فيدراليا جزئيا ...
2018-01-22 20:51:29