"شيخ الحلاقين" في نابلس .. تسعة عقود من الذكريات والعمل

في محل صغير متواضع بين أزقة البلدة القديمة بمدينة نابلس (شمال القدس المحتلة)، يواصل الحاج وليد حلاوة (87 عاما)، عمله في مهنة الحلاقة منذ 68 عاما، عايشّ خلالها كثيرا من الأحداث، ودخل صالونه المتواضع الآلاف من الزبائن، غالبيتهم غادروا الدنيا وسكنوا تحت التراب.

وفي حديث مطوّل لـ "قدس برس"، تطرّق أقدم حلاقي مدينة نابلس إلى الكثير من الأحداث التي عايشها والذكريات التي رافقته خلال سنوات عمله الطويلة، وحصيلة 87 عاما هي عمره وعمر حياته في هذه المدينة.

"حلاوة" ومهنة الحلاقة

يقول المواطن حلاوة، إنه تعلّم مهنة الحلاقة عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، أي عام 1948، نزولا عند رغبة والده، على الرغم من أنه (الحلاق حلاوة)، كان يوّد وقتها تعلم قيادة المركبات، كي يعمل سائقا عموميا، خاصة في الوقت الذي بدأت تدخل فيه المركبات بشكل متزايد إلى الدول العربية، ومنها فلسطين.

وأضاف حلاوة، أنه ومنذ عام 1948 وهو يعمل في مهنة الحلاقة، ولا زال في محله الصغير الذي استأجره قبل 50 عاما، قبيل النكسة الفلسطينية في العام 1967.

شيخ الحلاقين والزبائن

وشدد الحاج الفلسطيني، أنه يقوم بالحلاقة لزبائنه الحلقات العربية الأصيلة، وغالبيتهم من كبار السن، ويرفض أن يحلق أيا مما أسماها الموديلات والقصّات الحديثة، لأنها برأيه لا تناسب الشاب والرجل العربي، باعتبارها تقليدا للغرب، مضيفا أنه لا يستخدم كذلك المرطبات أو مواد تصفيف الشعر، لأنها تضر به، ويتمسك باستخدام الزيت الطبيعي، ويعتبره أكثر فائدة من تلك المواد.

وعند سؤاله عن عدد الزبائن الذين يترددون عليه، في ظل تمسكه بالقصّات التقليدية، أجاب من أطلق عليه أهالي المدينة "شيخ الحلاقين" والابتسامة تعلو وجهه، "أنهم قليلون وينحصرون بكبار السن، وأنهم ينقصون كلما توفي منهم واحد".

كما أشار إلى أنه يجلس في وقت فراغه، ليتابع المذياع ويستمع إلى الأغاني والطرب القديم، كما يشاهد مثل ذلك في التلفاز، ويتأمل في صور من زيّن بهم محله، سواء صور عائلته وأقاربه، وأيضا الشهداء ومن توفي من أصدقائه وزبائنه.

ذكريات وأحداث

انتقل مراسل "قدس برس" بالحديث مع المسن حلاوة، إلى ذكرياته طوال هذه العقود التسعة من حياته، فصمت قليلا قبل أن تخرج منه تنهيدة حملت في ثناياها تعب الدنيا ومعاناتها، لا سيّما في ظل الاحتلال ومضايقاته التي لا تنتهي.

"ما غاب عن مخيّلتي أكثر بكثير مما أذكره الآن، فطيبة الناس قديما وبساطتهم في الحياة وحبهم لبعضهم البعض، وأيضا صراعنا مع الاحتلال من ثورة البراق عام 1936 حتى الآن، لا زالت تمر أمام عيني في كل لحظة"، هكذا قال الحاج حلاوة.

وأضاف "أذكر الإضراب الطويل الذي نفذه الفلسطينيون عام 1936 واستمر حوالي ستة شهور، احتجاجا على ممارسات الاحتلال، كما أذكر النكبة والنكسة وكيف استقبل أهالي المدينة إخوانهم الفلسطينيين اللاجئين وفتحوا لهم منازلهم، وتقاسموا معهم لقمة الخبز".

وتابع "جرائم الاحتلال مستمرة بحق شعبنا منذ عشرات السنين، ولم أكن بعيدا عنها ككل الفلسطينيين، فلقد كنت عرضة للاحتجاز والإصابة خلال المواجهات التي كانت تندلع مع جيش الاحتلال خلال الانتفاضتين الأولى (انتفاضة الحجارة عام 1987)، والثانية (انتفاضة الأقصى عام 2000)".

ويبيّن حلاوة أن شقيقه الذي يصغره في السن، ارتقى شهيدا خلال معركة الكرامة عام 1968، عندما كان يقاتل في صفوف الثورة الفلسطينية، ولا زال مدفونا في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في الأردن.

أمنيات الحلّاق المسن

عن أمنياته فيما بقي من عمره، قال "شيخ الحلاقين"، أتمنى أن يعود بي العمر عشرات السنين إلى الخلف، لا لكي أرجع شابا، وإنما لاستعيد حياة البساطة والحب والتماسك التي كان يحياها الناس في ذلك الزمان.

ويُضيف "الناس حاليا فرقتهم الدنيا بتعقيداتها والتزاماتها الكثيرة، فلم تكد تجد من يقاسمك لقمة الخبز، أو يقف بجانبك عند الشدائد، إلا ما ندر"، على حد وصفه.

وختم حديثه "أنا سعيد الآن، لأن منّ الله عليّ بالقوة حتى العمر المتقدم، كي اقتات من تعب يديّ، وسأكون مرتاحا عندما أرحل من هذه الدنيا، وأنا لا زلت احمل مقصي وأمارس المهنة التي أحببتها وأحبتني، واستقبل زبائني بابتسامة وكذلك أودعهم، فالدنيا تعني لي بساطة العيش، راحة البال، طيبة القلب، وحب الآخرين".

جدير بالذكر أن الحاج حلاوة، تزوج من سيدة فلسطينية، ورُزق منها أربعة من البنين ومثلهم من البنات، وعاش معها غالبية حياته في حي الياسمينة في البلدة القديمة بنابلس، قبل أن تتوفى قبل 11 عاما، وتتركه وحيدا يواجه متاعب الدنيا بعد أن أفقدته سنوات عمره الطويلة القدرة على السمع بشكل نسبي.

 

ـــــــــــــــ

من محمد منى

تحرير محمود قديح

 

مواضيع ذات صلة
دورة تأهيلية للشباب الفلسطيني في النرويج في أساسيات اللوبي والعمل السياسي والتضامني
ينظم "منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني" بعد غد السبت 28 أيار (مايو) الجاري دورة تدريبة لعدد من الشباب الفلسطيني في العاصمة النرويج...
2016-05-26 10:20:30
الأغوار الشمالية.. الاحتلال يُخطر بوقف البناء والعمل في منشآت فلسطينية
أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، بوقف بناء وإقامة منشآت فلسطينية في منطقة الأغوار الشمالية (شرق القدس المحتلة)، بذ...
2017-01-31 12:36:56
"الرحلات والعمل" .. مصيدة الاحتلال لاعتقال الأسرى المحررين
صلاة في الأقصى طال انتظارها .. أو جولة سياحية في ربوع وطن أضناه الاحتلال .. أو عقد عمل يعد بانفراجة بعد طول معاناة .. هي أحدث الطر...
2017-02-08 18:47:12