الثائر باسل .. حين يصبح الرصاص لغة المثقفين

تحت جنح الظلام، تسللت قوة إسرائيلية خاصة إلى مدينة البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة، وحاصرت أحد المنازل قرب مسجد المدينة الكبير، وبعد ساعات من انقشاع غبار المعركة، أُعلن الاحتلال قتل المطارد باسل الأعرج، بعد أن خاض اشتباكاً مسلحاً مع القوات المهاجمة، وظل مقاوماً إلى أن نفدت ذخيرته.

من هنا مر الاحتلال، وهنا كانت المواجهة، معركة لم تكن متكافئة، وقف فيها كف الحق وحيداً يواجه المخرز، صورة دماء الشهيد المنقطة على بعض الكتب، إلى جانبها عشرات الرصاصات الفارغة، وفي زاوية الغرفة وبين ركامها بدت بندقية منتصبة، كل هذه المشاهد تختصر الحكاية، حكاية ثائر سار على خطى غسان كنفاني، فمزج بين غزارة الثقافة والوعي مع المقاومة متعددة الأشكال، بدأ مشواره بالشعبي منها وأنهاه بالمسلحة.

الصيدلاني الأعرج (31 عاماً) ابن قرية "الولجة" (قضاء بيت لحم)، برز منذ سنوات كناشط في المقاومة الشعبية وحملات مقاطعة الاحتلال، تقدم المظاهرات ووقف على رأس الفعاليات الوطنية وعمل على مشروع لتوثيق مرحل الثورة الفلسطينية بجولات ميدانية للمجموعات الشبابية.

بداية القصة كانت مع  اختفاء الشهيد الأعرج أواخر شهر آذار/ مارس من العام الماضي، مع اثنين من رفاقه، ليعلن بعد أيام من اختفائهم عن اعتقالهم على يد المخابرات الفلسطينية في رام الله، أما الاحتلال فقد أعلن في حينه عن اعتقال السلطة لخلية كانت تخطط لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.

خضع الشهيد الأعرج ورفاقه المعتقلين وفقاً لعائلاتهم وحقوقيين لتحقيق قاسي، قبل أن يتم اعتقال بقية أفراد المجموعة الستة، وينقلوا إلى مركز تحقيق أريحا، وهناك خاضوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام، ليتم بعدها الإفراج عنهم بداية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، ومنذ ذلك الحين بدأت معاناة جديدة عنوانها الاعتقال في سجون الاحتلال، ضمن سياسية الباب الدوار التي يخبرها المقاومون جيداً.

أما الأعرج فقد رفض تسليم نفسه للاحتلال، واختار طريق المطاردة والاختفاء والتواري عن الأنظار، وهو ما عرض منزله في قرية "الولجة" للاقتحام عدة مرات من قبل جنود الاحتلال، في حين تعرض أهله لضغوطات مختلفة من أجل إقناع ابنهم بتسليم نفسه.

من ناحيتها، أكدت عائلة الشهيد الأعرج على أنها علمت من وسائل الإعلام خبر استشهاد ابنها بعد محاصرته في منزل استأجره وسط مدينة رام الله، والذي لا يبعد سوى مئات الأمتار عن مقر (المقاطعة) رئاسة السلطة الفلسطينية.

وذكر خالد الأعرج عم الشهيد باسل لـ"قدس برس" أن الاتصالات منقطعة معه منذ الإفراج عنه من سجون السلطة، مؤكداً أنه لم تتواصل معهم أي جهة رسمية حتى بعد إعلان استشهاده.

ويشير إلى أن ضباط مخابرات الاحتلال استدعوا صباح اليوم والد الشهيد، وأظهروا شماتتهم وعبروا عن فرحتهم وهم يستعرضون صوراً لنجله بعد استشهاده، في الوقت الذي كان يظن والده أن المقابلة لترتيب إجراءات استلام الجثمان، ولكن الاحتلال قرر احتجازه في الثلاجات.

ويعتبر الأعرج أحد نشطاء المقاومة الشعبية ومكافحة التطبيع البارزين في الضفة الغربية، ويصفه عمه بأنه كان قارئاً نهماً ومثقفاً ملماً بجميع المراحل التاريخية التي مر بها الشعب الفلسطيني، وكان مشرفاً على تنظيم عشرات الندوات والفعاليات التي تهدف لتعريف الجيل الناشئ بتفاصيل القضية الفلسطينية.

ويكمل أحد أصدقائه:"لم يكن منظراً للمقاومة فقط بل مارسها بجميع أشكالها واقعاً على الأرض، كان قليل الحديث كثير الانشغالات، ومن أكثر الناس حباً وتعلقاً بفلسطين".

وتظهر مقاطع مصورة تداولها نشطاء ومواقع التواصل الاجتماعي صباح اليوم المنزل الذي استشهد فيه الأعرج، وبدت الرصاصات التي طالت جسده بجانب كتبه التي كان يحرص على قراءتها رغم أنه مطارد للاحتلال، فيما أظهرت مقاطع أخرى الشهيد وهو يشرح لمجموعة شبابية تفاصيل عملية زقاق الموت التي نفذها مقاومون خلال انتفاضة الأقصى قرب الخليل، فيما بدا في مشهد ثالث واقفاً أمام مجموعة شبابية داخل حافلة، يشرح لهم كيف أن المقاومة كانت السبب الرئيس لعدم وجود مستوطنات في مدينة جنين شمال الضفة الغربية.

فصائل فلسطينية متعددة نعت الشهيد الأعرج ورأت فيه مثلاً للفدائي المثقف والحاضر في كل ساحات المقاومة بأشكالها المتعددة والرافض للاحتلال ومشاريعه التطبيعية، فيما اعتبره آخرون ضحية جديدة من ضحايا التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، التي كشفت عن مخططاته وكانت أول من اعتقلت مجموعته ليصبح بعدها مطلوباً لأجهزة المخابرات الإسرائيلية.

فيما أشعل وسم "الثائر باسل" مواقع وسائل التواصل الاجتماعي بعد تناقل خبر استشهاده، وازدحمت الصفحات الشخصية بصوره وكلمات الرثاء بحقه، فيما تناقل آخرون وصيته وكلماته التي خطها قبل استشهاده، حتى صارت شبيهة بقسم ولاء وتجديد بيعة لفلسطين.

ومما جاء في وصيته: "أدعو الله أن ألاقيه بقلب سليم مقبل غير مدبر بإخلاص وبلا ذرة رياء (...) لكم من الصعب أن تكتب وصيتك، فمنذ سنين وأنا أتأمل وصايا الشهداء التي كتبت (...) لطالما جذبتني تلك الوصايا التي كانت مختزلة سريعة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلاً في البحث عن أسئلة الشهادة".

وختم بالقول:"وأنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعا وجدت أجوبتي، وهل هناك أبلغ أو أفصح مما فعل الشهيد؟ نحن أهل القبور لا نبحث إلا عن رحمة الله".

______

من يوسف فقيه
تحرير أحمد البيتاوي

مواضيع ذات صلة
المغرب.. بنكيران يصبح أول رئيس حكومة في مجلس الوصاية على العرش
صادق المجلس الوزاري المغربي على عضوية رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، بمجلس الوصاية في المغرب. وقد أكد بنكيران في تصريحات خاصة لـ...
2016-02-07 10:31:35
عندما يصبح الوطن خيمة.. والخيمة هوية!
في مخيم دير بلوط شمال سوريا وعلى ضفاف النسيان حيث رمت أمواج التهجير أجسادا أنهكها الخذلان بعد أن حطم الموج مراكب أحلامهم! هنا ومن...
2020-04-22 14:34:10
غزة.. الفلسطينيون يستعدون لـ "جمعة الشباب الثائر"
بدأ الفلسطينيون في قطاع غزة بالاستعداد للمشاركة في فعاليات "مسيرة العودة" للجمعة الخامسة على التوالي، والتي أطلقوا عليها اسم جمعة ...
2018-04-27 07:12:52