هل يعيق لبنان مشاريع الغاز "الإسرائيلية" شرق المتوسط؟ (مقال تحليلي)

ذكرت القناة 12 العبرية، السبت في 15 كانون الثاني/يناير الحالي، أنه تم التوصل إلى اتفاق بين "إسرائيل" ولبنان؛ يستورد بموجبه لبنان الغاز الإسرائيلي من حقل "ليفياتان" البحري، مروراً بالأردن وسورية.

 

وذكرت القناة العبرية أن الاتفاق تم بوساطة المبعوث الخاص ومنسق شؤون الطاقة الدولية لواشنطن، عاموس هوتشستين، الذي أدار المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، لترسيم الحدود البحرية، بما فيها المنطقة الاقتصادية الخاصة التي تحتوي على حقول غاز مشتركة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48؛ ذات المنطقة الاقتصادية، التي يتوقع أن يمر فيها خط غاز "إيست ميد الإسرائيلي" عبر قبرص واليونان إلى السوق الأوروبية.

 

نفي أمريكي ولبناني


القناة العبرية التي أكدت أن الاتفاق تم التوقيع عليه سراً نهاية الأسبوع الثاني من كانون الثاني/يناير الحالي، لم تعلق عليه الحكومة الإسرائيلية والمصادر الرسمية، والأهم من ذلك؛ أن الخارجية الأمريكية نفته عبر تغريدة نشرها مكتب شؤون الشرق الأدنى في الوزارة أمس الأول الأحد؛ في حين أكدت وزارة الطاقة اللبنانية أن "ما يتم تداوله عن أن الغاز المستورد عبر (الناقل العربي) سيكون غازًا إسرائيليًا، كلام عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلاً".

 

مثّل الخبر حرجاً كبيراً للمبعوث الأمريكي الخاص، الذي ما زال يخوض غمار المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، في ظل بيئة سياسية محلية وإقليمية محتقنة؛ إذ هدد بتعطيل المفاوضات وإعاقة تدفق الغاز المصري عبر الناقل العربي، فالخبر يمثل أداة ضغط تهدد المفاوضات الأمريكية اللبنانية، والتفاهمات اللبنانية الأمريكية في الآن ذاته حول اتفاق استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر، كبديل للحلول والنفوذ الإيراني، ما استدعى نفيه سريعاً من الطرفين أمريكا ولبنان.

 

"إيست ميد".. وخط الغاز العربي


خط غاز "إيست ميد"، مشروع استراتيجي وحيوي لـ"إسرائيل"، يتوقع أن يعزز مكانتها في القارة الأوروبية وفي سوق الغاز العالمي؛ خصوصاً أن الخط البالغ طوله 1872 كلم، سيتيح نقل ما بين تسعة و11 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من الاحتياطات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص و"إسرائيل" إلى اليونان، وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا، مروراً بخط أنابيب الغاز "بوسيديون" و"إي جي بي".

 

المشروع إسرائيلي صرف، بتجاوزه تركيا ومصر في الآن ذاته؛ فالقادة "الإسرائيليون" لا يرغبون ربط مصالحهم الحيوية بقوى إقليمية منافسة تعتبر عدواً محتملاً مستقبلاً؛ مشروع قابل للتطوير والتوسعة، إلا أن إعاقة لبنان لمروره عبر منطقتها الاقتصادية الخاصة، يجعل منه مشروعاً مستحيلاً من دون غطاء ودعم أمريكي؛ تبدد بإعلان تخلي الإدارة الأمريكية عن دعمه لكلفته العالية.

 

"إسرائيل" تملك دوافع قوية لخلط الأوراق عبر بث معلومات مشبوهة، فالمفاوضات غير المباشرة بين لبنان و"إسرائيل"، التي يقودها هوتشستين، اتسعت لتشمل قضايا ذات طابع جيواستراتيجي؛ فقادة الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلال نقل الترويج لاتفاق لبناني إسرائيلي سري برعاية أميركية؛ لم يخفوا رغبتهم في إقحام ملف خط أنابيب الغاز الإسرائيلي القبرصي اليوناني "إيست ميد" في المفاوضات، ليصبح جزءاً من المساومات الجيوسياسية والاقتصادية مع لبنان، من خلال مقايضته بخط الغاز العربي القادم من مصر عبر الأردن وسورية إلى لبنان؛ فالمقايضة وإن لم تكن معلنة، فهي لبّ التسريب الإسرائيلي وجوهره.

 

العقبة اللبنانية


لتجاوز العقبات والمعوقات التي تقف أمام خط "إيست ميد"، كان لا بد من إقناع لبنان بالمشروع الإسرائيلي، مستفيدة من الضغوطات والمعاناة الاقتصادية التي يواجهها؛ فمرور خط غاز "إيست ميد" بالأراضي اللبنانية التابعة للمنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة، يعد العقبة الأولى والأهم التي يجب تجاوزها لتنفيذ المشروع الإسرائيلي القبرصي اليوناني؛ فاتحاً بذلك الباب لخط الغاز العربي المار بالأردن وسورية.

 

المعوقات أمام مشروع "إيست ميد" عقّدت مفاوضات المبعوث الأمريكي هوتشستين، عبر مناورات سياسية وضغوطات اقتصادية وأمنية وسياسية؛ قابلتها محاذير سياسية وأمنية، من الممكن أن تؤدي لفشل الجهود الأمريكية لترسيم الحدود البحرية، في ظل الممانعة التي يبديها "حزب الله" للتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي؛ فالإدارة الأمريكية فضّلت التخلي عن مشروع "إيست ميد" بعد أن تحول إلى عبء على دبلوماسيتها وعلاقاتها مع كل من مصر وتركيا، فضلاً عن التداعيات السلبية للمشروع على خطة العمل لاستجرار الغاز والكهرباء بين الأردن ولبنان ومصر، على أمل محاصرة النفوذ الإيراني.

 

خط الغاز "إيست ميد" ارتهن بالموقف اللبناني والمصري، وأيضاً التركي، الذي سارع رئيسها رجب طيب أردوغان للاحتفاء، مساء الثلاثاء، بإعلان أمريكا وقف دعمها لمشروع خط أنابيب "إيست ميد" لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، بالقول: "إن نقل الغاز إلى أوروبا من شرق المتوسط لا يمكن أن يتحقق بدون تركيا"، مشيراً إلى أن "المشروع لم يكن قابلاً للتنفيذ"، ومضيفاً أنهم "أجروا جميع الحسابات المالية له، ورأوا أن لا شيء إيجابياً في هذا المشروع".

 

المفاوضات اللبنانية "الإسرائيلية" غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، تدفع لطرح تساؤل أساسي؛ هل فشل "إسرائيل" في تنفيذ مشروعها الطموح "إيست ميد"، ستعوضه شائعة تصدير الغاز إلى لبنان، وتشديد الحصار على "حزب الله" وإيران؟ جواب بات واضحاً: "لا"؛ إذ لن يعوض ذلك خسارة "تل أبيب" أمام تركيا ومصر، فهما الطرفان المنتصران في هذه المواجهة حتى هذه اللحظة.

مواضيع ذات صلة
هل كان صوت بينت مسموعا في أمريكا؟ (مقال تحليلي)
رفع نفتالي بينيت صوته أمام الكاميرات في اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأمريكي جو بايدن، على أمل أن يسمعه أو يفيق من غفوته التي ظن أنه ...
2021-08-30 06:50:58
تساؤلات الوزيرة شاكيد وسيولة الائتلاف الحاكم (مقال تحليلي)
غردت وزيرة الداخلية الاسرائيلية أيليت شاكيد، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بالقول: "إذا كان بينيت هو رئيس الوزراء القاطع؛ فسي...
2021-09-06 07:32:22
إلى أين تقود الجهود المصرية الفلسطينيين و"إسرائيل"؟ (مقال تحليلي)
يفترض أن يلتقي وفد المخابرات المصرية برئاسة اللواء عباس كامل الأسبوع الحالي، مسؤولي السلطة الفلسطينية في رام الله، وقادة حماس في ق...
2021-09-21 07:48:28